الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 14 يونيو 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
نعم أيها الآب
نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هَكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ ( متى 11: 26 )
كان ربنا المعبود هو أروع مثال للخضوع والتسليم في حياته على الأرض، وقد نطق بهذه العبارة الخالدة عندما رُفضت خدمته من مُدن كثيرة، ولا شك أن الرفض كان جارحًا ومُهينًا لذاك الرقيق. وكانت هذه العبارة شعار حياته بصفة دائمة وهو يواجه ويتقبَّل الظروف المعاكسة. لقد جاء لا ليُخدَم بل ليَخدِم ويبذل نفسه فديةً عن كثيرين ( مر 10: 45 ). أحبَّ وخدم، وتعب وأفنى قدرته في صُنع الخير للآخرين. مسحَ دموعهم وشفى جروحهم، أراح المُتعبين وأشبع المساكين خبزًا. كان يطوف المدن والقرى يُعلِّم ويكرز ويشفي. لم يتأخر قط عن أي سائل أو محتاج. كان كتلة حنان يتحرك وسط عالم بائس ومسكين. ومع ذلك عاش محرومًا من أبسط الحقوق، وكان طريقه شائكًا. خضع ورضيَ وتقبَّل بسرور المسار الذي رتبته له مشيئة الآب في رحلته على الأرض. وُلِدَ فقيرًا في مذود، عاش فقيرًا في كنف يوسف النجار بإمكانيات بسيطة، كان يُعرَف بابن النجار. في بداية خدمته جاع ولم يجد رغيف خبز واحد، وفي نهاية خدمته عطش ولم يجد قطرة ماء. عاش بلا مأوى ولا عنوان وكان يبيت في جبل الزيتون. عاش بلا نقود أو ممتلكات. عاش وحيدًا كعصفور مُنفرد على السطح، لم يجد مَن يفهمه أو يشاركه أو يتعاطف معه. لم يبحث لنفسه عن مكان أو شهرة أو مجد، بل كان يطلب مجد الذي أرسله. عاش مرفوضًا مُهانًا ومُستهدَفًا للعناء. وفي كل هذا قط لم يعترض أو يتذمر أو يَشْكُ، لم يكِلْ ولا انكسر، بل كان يواصل الخدمة، وكان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله ويُتمم عمله، وكانت هذه سعادته أن يرى الآب راضيًا ومستريحًا بما يعمله ويُكمِله. كان يجد في إشراقة الآب وابتسامته كل التعويض. قط لم يقُل: لا أو لماذا أو ليس هكذا أيها الآب، بل «نعم أيها الآب». ختم الرحلة بالصليب، وقال: «ليفهم العالم أني أُحب الآب، وكما أوصاني الآب هكذا أفعل» ( يو 14: 31 ). أحنى رأسه في البستان خاضعًا قائلاً: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك» ( لو 22: 42 ). «الذي إذ شُتِمَ لم يكن يشتم عوِضًا، وإذ تألمَ لم يكن يُهدِّد، بل كان يُسلِّم لمَن يقضي بعدل» ( 1بط 2: 23 ). بطول الرحلة كان «رجل أوجاع ومُختبر الحَزَن» ( إش 53: 3 )، لكنه كان شاكرًا وصابرًا وراضيًا، مُتقبلاً كل الأمور من يد الآب المحب والحكيم، تاركًا لنا مثالاً لكي نتبع خطواته. فما أجمله وما أجوده!

جازَ في أرضِ الشَّقا مُظهِرًا كلَّ كمالْ
عَظِّموهُ واقتَفوا إثرَ مَن أعطَى المِثالْ

محب نصيف
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net