الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 17 ديسمبر 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
تارح المُعوِّق
وَكَانَتْ أَيَّامُ تَارَحَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسَ سِنِينَ. وَمَاتَ تَارَحُ فِي حَارَانَ ( تكوين 11: 32 )
حياة تَارَح في الوحي المقدس، تتلخص في عبارة واحدة: «وكانت أيام تارح مئتين وخمس سنين. وماتَ تارخ في حاران». وربما نتساءل: أي غرابة أو إثارة في ذلك؟ فالرجل لم يَمُت في عمر الشباب، ولا مضى عقيمًا دون أولاد، هذا صحيح، لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الرجل عاش ومات دون أن يصل إلى كنعان. وفي الواقع لم يكن تَارَح إلا مُعطِّلاً «فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك» ( تك 11: 31 ). وتَارَح معناه “تعوُّق” أو “تعطُّل”، وقد أكمل مدلول اسمه؛ إذ أنهى أيامه في “حاران”. لقد أمسكَته الأشياء الطبيعية بقبضة من حديد، ولو كان عليها طابع الموت. و“حاران” معناها “ملفوح” أو “محروق”، ومع ذلك، فإلى أن مات تَارَح كان قد سكن هناك، وأبرام معه.

يمثل تَارَح كثيرين ممن يبدأون حسنًا ثم يتوقفون عن السير. والواقع أن تَارَح، ومَن هم على شاكلته، هم حجر عثرة لأنفسهم وللسائرين معهم. إذا هم وجدوا واحة ظليلة في الطريق مثل حاران، تراهم يرغبون في الراحة، وهذا عندهم أفضل من مُغالبة البرية والأعداء. لكنها في الحقيقة ليست بواحة على الإطلاق بل هناك الجفاف والموت، فلا هم شبعوا من طعام أور، ولا هم أكلوا من خير كنعان. ولو أن تأثيرهم اقتصر على أنفسهم لهَان الأمر، لكن بكل أسف، يمتد ضررهم إلى إخوتهم، لأنهم يشلُّون اليد والرجل لمؤمن يريد أن ينهض، أو لأخ موهوب على بداية الطريق.

من الجائز جدًا أن يكون تَارَح مؤمنًا حقيقيًا ولو أنه غير متجاوب، أو قد يكون على الأقل معترفًا ظاهريًا بالإيمان، ويحاول الجمع بين الدنيا والآخرة. هذا في الغالب ينتهي طريقه بفقدان الغرضين.

يمثل تَارَح كثيرين ممَّن يبدأون رحله معرفة الله، ويتوجهون صوب كنعان، وهم مدفوعون بالاستحسان والغيرة والحماس والنشاط، تاركين لا الأهل والصُحبة فقط، بل الحياة التي اعتادوا عليها لسنوات طوال، وبعد أن يقطعوا شوطًا طويلاً في رحلة من أعظم رحلات الإنسان “من الأرض إلى السماء”، تراهم يتقاعسون في الطريق ويتخلَّفون عن المسير أمام أقل تجربة، أو اليسير من الآلام، وشيئًا فشيئًا يستبِّد بهم اليأس والغضب والتعب والتذمر. وتجدهم يطرحون عصا الترحال عنهم، فهم لا يحبون الغربة، ويرفضون الخيمة لأنهم لا يريدونها إلا مُكيَّفةً، ويتركون المذبح لأنهم لا يرغبون في أي تضحية أو عطاء. وأخيرًا يقررون البقاء في أي “حاران” يصادفونها، حتى وان كان في هذا نهاية الحياة أو آخر المطاف.

شنودة راسم
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net