الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 5 يوليو 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
النعمة الغافرة والغامرة
وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ ( لوقا 15: 20 )
كم سمعنا من البعض قولاً كهذا: إني أعترف لفلان بالفضل عليَّ في أمر كذا ولكني أنكر عليه الطريقة التي اتخذها في إيصال معروفه لي حتى إنه ضيَّع التأثير الذي كان يُنتظر منه. أما ربنا المبارك فله أسلوب بديع في تنفيذ أفكاره. فهو لا يُحسِن العمل نفسه فقط، بل يصوغه في قالب يؤثر فينا بحيث نشعر أن قلبه في العمل الذي يُجريه لأجلنا. فالعمل بديع، وأسلوب إجرائه بديع.

تأمل معي قليلاً في لوقا 15 وهو الفصل المشهور بطلاوة أحاديثه، تجد الأسلوب الذي ينسج على منواله الرب؛ آية في البلاغة وقوة التعبير. لأنه ماذا يقول عن الراعي الذي وجد الخروف الضال؟ هل يصف لنا أتعابه وما قاساه من الضنك، ويُمثله لنا في صورة الشاكي الباكي وهو يسوق الخروف أمامه؟ كلا، بل يقول إنه «يضعه على منكبيهِ فَرِحًا»، لا متوجعًا ولا باكيًا. وما أرق هذا التعبير حيث نقرأ أنه رجع به مسرورًا. وما دام الخروف على المنكبين، فلا بد من وصوله إلى المكان آمنًا مهما كان شكل إرجاعه. ولكن مَن منا لا يتأثر من قوله «فَرِحًا»؟ ومَنْ منا لا يُسرّ بالأسلوب الذي يتم به خلاصنا؟

وهكذا في أمر المرأة ودرهمها المفقود منها حين يقول: «ألا تُوقد سِراجًا وتكنس البيت وتُفتش؟»، ولكن هل بتراخٍ ومَلل وعدم مبالاة؟ كلا، بل «باجتهاد» كمَنْ له رغبة شديدة وقلبه على العمل، فظهر من ذلك أنها تنوي البحث عن الدرهم حتى تعثر عليه. وفي طريقة سيرها تبرهن ذلك بوضوح كامل.

وأخيرًا أرجوك أن تتأمل معي في الأسلوب الذي قابل به الأب ذلك الابن الشارد المسكين وهو راجع إليه لأنه «إذ كان لم يَزَل بعيدًا، رآه أبوه، فتحنن وركضَ ووقعَ على عُنُقهِ وقبَّلهُ». إن الأب لم يُرسل أحد عبيده ليدعوه، ولا أمر أن ينتظر في قاعة الاستقبال، أو يقف عند الباب، ولا أرسل ليستحضره إلى المنزل مباشرة، بل بنفسه «ركضَ»، وكأنه في تلك اللحظة خلع ثوب جلاله ليُفسح المجال لعواطفه الأبوية. فهو لا يكتفي بقبول ذلك الضال، بل يرى من اللازم أن يكشف له ما في قلبه عند قبوله، وهو لا يرى أن ذلك يتم بمجرد قبوله فقط، بل يتخذ أسلوبًا بديعًا في تنفيذ عزمه. فيا لسمو الأسلوب الذي يُعامل به الله الإنسان عند القبول والغفران!

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net