إن الماء الذي خرج من الصخرة هو إشارة إلى الروح القدس كقوة الحياة. قال ربنا المبارك للسامرية: «مَن يشرب من الماء الذي أُعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية» ( يو 4: 14 ). يوافق هذا دعوة المسيح للناس أن يُقبلوا إليه ويشربوا: «قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مُزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطيَ بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّدَ بعد» ( يو 7: 39 ). يوجد شيئان واضحان في هذه العبارة: الأول، أن الماء الحي هو رمز إلى الروح القدس. والثاني، هو أن هذا الماء الحي، أو بعبارة أخرى الروح القدس، لم يكن ليُعطَى إلا بعد تمجيد يسوع. أي أن الصخرة، كما قلنا، كان يجب أن تُضرب أولاً قبل أن تفيض المياه لتروي الناس.
إذًا لا يوجد ما يستطيع أن يسد مطاليب الإنسان الخالدة سوى الروح القدس كقوة الحياة. وهذه البركة لا يمكن الحصول عليها إلا بالمسيح المصلوب والمُقَام. لذلك نادى يسوع قائلاً: «إن عطش أحدٌ فليُقبل إليَّ ويشرب» ( يو 7: 37 ). ثم أتمه بالقول: «ومَن يُرِد فليأخذ ماءَ حياة مجانًا» ( رؤ 22: 17 ).
بعد هذا نرى حقيقة عملية جميلة. فبعد أن خرجت المياه من الصخرة وشرب الشعب، ابتدأت الحرب مع عماليق. وهذه هي الحال مع شعب الله في كل زمان. فبعد أن يرتوي المؤمن، بالماء الحي الذي يعطيه الرب، يبتدئ جهاده في الطريق «لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى تفعلون ما لا تُريدون» ( غل 5: 17 ).
كثيرًا ما يُقال إن عماليق يرمز إلى الجسد. ولا شك أن الدهاء الذي استعمله الشيطان في اختيار وقت الحرب مدهش جدًا. إن الوقت الذي رآه مناسبًا هو على أثر خطأ الشعب، أي الوقت الذي يظن فيه العدو أن الشعب واقع تحت غضب الله، وهذه هي طريقته على الدوام. ولكن ما دام الله مع شعبه فلا يسمح قط لأي عدو أن يهلكهم. إن الشعب بالحقيقة لو تُرِك لنفسه لتبدد، ولكـن ذاك الذي أجازهم في مياه البحر الأحمر لا يمكن أن يتركهم الآن ليهلكوا. إن محبة الله العظيمة تجعله يحافظ على شعبه ويحميه حتى النهاية.