واحدة من البراهين المؤكدة على قدرة الرب يسوع المسيح الكُلِّية هي أنه أقام نفسه. وليس سوى يوحنا يتحدث عن هذا الأمر في إنجيله؛ إنجيل ابن الله، حيث تَرِد لذلك إشارتان:
الإشارة الأولى: بعد معجزة تحويل الماء إلى خمر (يو2)، اتجه الرب إلى أورشليم حيث طهَّر الهيكل من الباعة والصيارفة، وقال: «لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة!». وهنا قال اليهود له: «أية آية تُرينا حتى تفعل هذا؟». كأنهم طلبوا برهانًا على قوله إن صاحب البيت هو أبوه، أو بالحري أنه هو ابن الله. «أجاب يسوع وقال لهم: انقُضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أُقيمه ... وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكَّر تلاميذه أنه قال هذا، فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع».
نعم إنها آية بكل معنى الكلمة. بل هي آية الآيات. فكيف يُقيم واحد نفسه بعد أن يموت؟! لقد ظهرت عظمة قدرة المسيح في إقامته للعازر بعد أن أنتن، لكن أن يُقيم هو نفسه بعد موته فهذا برهان أعظم. فهنا لا نجد مجرد قدرة فائقة، بل سر عظيم «الله ظهر في الجسد». فهو بلاهوته أقام ناسوته الذي مات. وكانت إقامته لنفسه دليلاً لا يقبل الدحض على أنه ابن الله ( رو 1: 4 ).
ومرة ثانية في هذا الإنجيل أيضًا يقول المسيح: «لهذا يُحبُّني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي» ( يو 10: 17 ، 18). نعم إنهم لم يأخذوا حياته منه، وعندما قتلوه مُعلّقين إياه على خشبة، فإن كل ما فعلوه هو أنهم نقضوا هيكل جسده، أما نفسه أو حياته فلم يأخذوها منه بل وضعها هو من ذاته. لذلك لا نقرأ أنه على الصليب شهق شهقته الأخيرة كما يُقال عادةً عن الإنسان، بل ”صرخ بصوتٍ عظيم، وأسلمَ الروح“. إن الصرخة العظيمة هي صرخة الظافر، وكأن المسيح عند موته ظفر بأعدائه.
ويواصل الرب كلامه في يوحنا 10 ويُضيف هذه الأقوال العظيمة: «لي سلطانٌ أن أضعها ولي سلطانٌ أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتُها من أبي». هذا الحديث العجيب يجمع بين سلطانه الشخصي المُطلق، وخضوعه الكامل لمشيئة أبيه. فمن جهة سلطانه يقول: «لي سلطانٌ أن أضعها ولي سلطانٌ أن آخذها أيضًا». ومن جهة خضوعه يقول: «هذه الوصية قبلتُها من أبي»!