الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأربعاء 30 يونيو 2010 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الأب المُحب
فقام وجاء إلى أبيه. وإذ كان لم يَزَل بعيدًا رآه أبوه، فتحنن وركض ووقع على عُنقِهِ وقبَّله ( لو 15: 20 )
من رؤية الأب لابنهِ وهو لا يزال بعيدًا، نستنتج أن الأب كان واقفًا يترقب رجوع ابنه الضال. ويا لها من محبة أبوية عجيبة جدًا، ففي كل الوقت الذي كان الابن ضالاً عن أبيه في تلك الكورة البعيدة، كان الأب متطلعًا بشوقٍ شديد إلى رجوع ذلك الابن. حقًا إن قلب الله وأحشاءه لا تستريح إلا برجوع الخاطئ إليه، لأنه لا يشاء أن يهلك أحد بل أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.

ثم كأني أرى منظرًا عجيبًا تندهش له الملائكة، فهوذا الأب الطاهر القدوس يركض ويقع على عنق ذلك الابن الراجع بثيابه الرثة وبرائحته الكريهة ونجاسته وأوحاله التي جاء بها من رعي الخنازير وسط تلك المستنقعات القذرة. حقًا إنه لمنظر عجيب! إذ لا ينتظر الأب حتى يصل ذلك الابن الدَنس إليه، بل يركض هو إليه ويقع على عنقهِ ويُقبّله. فلا نرى في وجه الأب أقل امتعاض، ولا نسمع منه كلمة زَجَر أو توبيخ لذلك الابن العاصي، بل على العكس نرى ترحيبًا كاملاً، ونسمع صوت القُبلات الحارة المنبعثة من قلب يفيض بالحنان الأبوي لذلك الابن الأثيم، الذي لا يستحق بحسب الطبيعة إلا انسكاب الغضب الإلهي عليه. يا ليت كل خاطئ يتأمل مليًا في هذا المنظر العجيب، منظر محبة الله للخطاة، فيتشجع ويرجع بكل قلبه إلى الله الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين.

لقد اعترف ذلك الابن الراجع إلى أبيه بقوله: «يا أبي، أخطأت»، غير أن قلب الأب الفائض بالإحسان إلى ابنه لم يمهله حتى يكمل اعترافه، بل «قال الأب لعبيده: اخرجوا الحُلَّة الأولى والبِسوه». لا شك أنه كان في بيت ذلك الأب الغني حُلل كثيرة، ولكنه من فرط محبته لابنه الضال، قد أعد له حُلَّة ممتازة «الحُلَّة الأولى»، ولا بد أنه أعدّها له في نفس الوقت الذي كان فيه ذلك الابن في حالة العصيان والتمرد. وقد حفظها له دون سواه، حتى بمجرد رجوعه قال لعبيده: ”اخرجوها والبسوه“. فهوذا الابن المسكين قد خلع ثياب النجاسة الرثّة، وألبسته نعمة أبيه ثوبًا جديدًا أعدّته له، ثوبًا لم يتعب في نسجه وإعداده، ولكن الأب هو الذي أعدّه، وهو الذي استخدم وسائط النعمة (المرموز إليها بعبيده) فألبسته ذلك الثوب الفاخر وتلك الحُلَّة الأولى التي لا نظير لها في بيت الأب.

وليم كلي
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net