الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 9 مارس 2010 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
تحريك العش
كما يحرِّك النسر عُشه وعلى فِراخه يَرِف، ويبسط جناحيه ويأخذها ويحملها على مناكبه، هكذا الرب وحده اقتاده وليس معه إلهٌ أجنبي ( تث 32: 11 ، 12)
في ذلك النشيد الخالد الذي اختتم به موسى حديثه لشعبه، يحملنا الخيال على أجنحة الريح لنقف بجانب عش أحد النسور في قمم الجبال الشامخة، حيث نجد مفتاحًا لإدراك طرق معاملة الله للإنسان. عندما تكبر فراخ النسر، ويكون في استطاعتها الطيران، تلازم عُشها، ولا تتجاسر أن تزج بنفسها في الجو الذي لم تختبره بعد، ولا تثق في أجنحتها. ولكنها يجب أن تتعلم الطيران. هنالك سعادة وأمجاد تنتظرها في الفضاء الفسيح المترامي الأطراف لا تُقاس بجانبها سعادة العش الخشن الذي نشأت فيه، لذلك يحرك النسر عُشه فيدفعها منه.

ويا له من رُعب لا مزيد عليه يملأ قلب النسور إذ ترى ذلك العش قد تهدَّم، وتتوهم أنها ـ وقد أُلقيَ بها في الجو ـ قد أصبح مصيرها الهلاك المُحقق. ولكنها عندما ترى الهواء قد حملها على أجنحته، وعندما تختبر عمليًا لذة حرية الطيران وسعادته، تحس بأنها مَدِينة بالشكر الذي لا يُعبَّر عنه نحو الأب الذي لم يحجم عن تلك العملية المُزعجة، والذي يظل مُلازمًا فراخه بجانبها مستعدًا لأن يحملها لو خانتها قواها، ويرفعها إلى فوق. وهنالك في كَبد السماء يتركها ثانيةً ثم يتلقاها مرةً أخرى، وهكذا في كل مرة تزداد فراخ النسر ثقة بنفسها كما تزداد قوة وتتفتق موهبة الطيران التي كانت لا تحس بها وهي مُلازمة لعُشها.

هذا مَثَل جميل يمثل الحياة البشرية. فإننا جميعًا نميل إلى مُلازمة العش القديم، الموطن القديم الذي وُلدنا فيه، الأشخاص الأعزاء المُخلصين الذين يستطيعون حمايتنا والدفاع عنا، المكان الذي أصبحنا فيه معروفين، الوجوه التي اعتدنا رؤيتها.

على أن محبة الله العظيمة قد ادخرت لنا أمورًا أفضل. فهو يعلم أن هناك مرتفعات ومنخفضات لا نعرفها حتى نخرج إليها. قد تشتد آلام وفزع تلك اللحظة التي فيها يتحرك العش، والتي عندها نجد أنفسنا قد دُفعنا إلى وَسَط غريب وأصبحت حياتنا كأنها مُعلَّقة في الفضاء، ولكن تلك الآلام لا تُقاس بالمجد الذي يُعلَن لنا في الحال «وأما مُنتظرو الرب فيجددون قوة، يرفعون أجنحة كالنسور» ( إش 40: 31 ). إن اليد التي ثُقبت بالمسامير، هي التي تحطم عش الماضي، وتومئ إليك مُشيرة إلى الحقائق المباركة التي لم تختبرها، والتي تنتظرك.

ف.ب. ماير
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net