الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 28 نوفمبر 2010 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
إكمال مسيرة الاتضاع
قال: أنا عطشان ... فلما أخذ يسوع الخل قال: قد أُكمل. ونكَّس رأسه وأسلَمَ الروح ( يو 19: 28 - 30)
ما أعظم هذا المفهوم لذلك النُطق العظيم «قد أُكمل». فلقد قاله المسيح بعد أن قال: أنا عطشان، فسقوه الخل. وبهذا الأمر أكمل المسيح رحلة التعب والاتضاع في عالم الخطية والضياع، الرحلة التي امتدت إلى أكثر من ثلاث وثلاثين سنة، فيها ذاق من الهوان والفقر ما لم يَذُقه سواه. فلقد وصل فقره ـ تبارك اسمه ـ إلى أبعد حد: إلى حد العطش، وعدم إمكانه شرب الماء. والواقع كم كان مسار المسيح في هذا العالم أنموذجًا عجيبًا وفريدًا في الاتضاع والفقر! لقد قال مرة: «للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يُسند رأسه» ( مت 8: 20 )، لكنه أخيرًا بعد أن شرب الخل، قال: قد أُكمل. ونكَّس رأسه: بمعنى أنه أسند رأسه على الصليب!

أ رأيت ـ عزيزي القارئ ـ طريقًا للاتضاع والفقر مثل هذا؟ إنه طريق عجيب من المجد إلى المَهد. لكن أيّ مهدٍ؟ لقد كان مهده مذودًا للبهائم! فذاك الذي سماء السماوات لا تسع مجده، لم يكن له موضع في المنزل. نعم، يا لطول الطريق، ويا لبُعد المسافة من ذُرى المجد إلى نظير هذا المهد! ثم يا لطول الطريق ومشقته من المهد إلى الصلب واللحد، في أرض لا تُنبت سوى الشوك والحَسَك.

اسمع ما يقوله الوحي عن ذلك الطريق العجيب «الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسةً أن يكون مُعادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان، وَضَع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب» ( في 2: 5 - 8)، أي وصل إلى أدنى أنواع الموت وأسوأها، موت العار والاحتقار، الموت تحت لعنة الناموس. لكن ماذا بعد موت الصليب؟ هل من اتضاع أبعد من موت الصليب؟ كلا. وها المسيح هنا قَبْل أن يسند رأسه ويُسلِّم الروح يقول: «قد أُكمل». لقد أكمل مسيرة الاتضاع والفقر، ليبدأ من تلك اللحظة مسيرة أخرى مختلفة في كل شيء، هي مسيرة الرِفعة، فيقول الكتاب المقدس «لذلك رفَّعه الله أيضًا، وأعطاه اسمًا فوق كل اسمٍ، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومَن على الأرض ومَن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب» ( في 2: 9 - 11).

نعم، لقد أُكملت بالنسبة للمسيح مسيرة الاتضاع والفقر بعد أن عطش وشرب الخل. وهو لن يعطش في ما بعد، ولن يجوع.

يوسف رياض
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net