... حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية، هل أعوزكم شيء؟ فقالوا: لا ( لو 22: 35 )... يا غلمان أ لعل عندكم إدامًا؟ أجابوه: لا ( يو 21: 5 )
أمامنا سؤالان سألهما الرب يسوع لتلاميذه، لا يفصل بينهما إلا قليل من الأيام. كان السؤال الأول قُبيل الصليب، أما السؤال الثاني فكان بعد القيامة. سأل المسيح سؤاله الأول ليلاً في العِلّية التي أكل فيه الفصح مع تلاميذه، بينما سأل السؤال الثاني في الصباح الباكر وهو على شاطئ بحيرة طبرية. ومن المُلاحظ أن إجابة التلاميذ في المرتين جاءت بالنفي، إذ أجابوه قائلين: «لا». لكن ما أبعد الفرق بين الإجابتين ـ وإن كانت واحدة ـ في الحالتين:
السؤال الأول: «حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية، هل أعوزكم شيء؟ فقالوا: لا» ( لو 22: 35 ).
في هذا السؤال يُذكِّر الرب تلاميذه بالإرسالية التي فيها سبق فأرسلهم إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ( لو 9: 3 - 6)، وكيف أنهم ذهبوا في إرساليتهم بلا كيس، ولا مزود، ولا أحذية. إذًا لم يكن معهم شيء منظور ملموس لإعالتهم، لكن كان كل اعتمادهم واتكالهم على وعد الرب وكفايته. ولكَم اختبروا بالحق كفاية الرب لهم وعنايته بهم، لذا كان لا بد أن تكون إجابتهم القاطعة على السؤال السابق هي: «لا».
السؤال الثاني: «يا غلمان أ لعل عندكم إدامًا؟ أجابوه: لا» ( يو 21: 5 ). كان سمعان بطرس قد قرر أن يذهب ليتصيد، فذهب ستة آخرون من التلاميذه معه. ويا له من قرار خائب لأُناس كانوا قد سبقوا فتركوا أعمالهم الزمنية وتبعوا المسيح. وإذ ذهبوا من تلقاء أنفسهم كانت ليلتهم مليئة بالتعب والشقاء، إلا أن هذه الليلة الطويلة ما كان بإمكانها أن تُثمر ولا حتى عن سمكة واحدة صغيرة. لذا عندما سألهم الرب قائلاً: يا غلمان أ لعل عندكم إدامًا؟ كان لا مفر أن يُجيبوا قائلين: «لا».
إذًا نحن أمام إجابتين في موقفين مختلفين للأشخاص عينهم؛ تلاميذ المسيح. كانت الإجابة الأولى تُعبِّر عن روعة معية الرب لقديسيه وكفايته لهم، والإجابة الثانية تُعبِّر عن الخيبة والفشل. والسر في ذلك أنه في المرة الأولى ذهب التلاميذ في إرساليتهم بناء على كلمة الرب وتنفيذًا لمشيئته، بينما في المرة الثانية ذهبوا من أنفسهم وتبعًا لإرادتهم. يا ليت هذا الدرس يعمّق فينا الإحساس بخطورة أية خطوة نخطوها دون أن يُصادق عليها ربنا المعبود.
ويا ليتنا نتحذر، فلا نقدِم على شيء ما إلا بعد أن نتيقن أنه موافق لإرادة الله.