البطيء الغضب خيرٌ من الجبار، ومالك روحه خيرٌ ممن يأخذ مدينة ( أم 16: 32 )
مما لا شك فيه إنه حينما تكتنف الإنسان موجات الغضب، فهو يفقد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، والكارثة تتعاظم حينما يكون هذا الإنسان له سلطان، فهو حتمًا يظلم دون تمييز.
لكن الرب في مشهد الغضب المقدس الذي اكتنفه، حينما رأى بيت الله، والذي يُدعى بيت الصلاة، وقد تحوَّل إلى مغارة لصوص، وكان هناك أيضًا مع مَن يبيعون البقر والغنم والصيارف، باعة الحمام الفقراء، جالسين أمام أقفاص حمامهم، والذي كان يشتريه فقراء الشعب، يقول الكتاب عن الرب إنه «صنع صوتًا من حبال وطرد الجميع من الهيكل»، مع ملاحظة أنه لم يضرب به أحدًا على الإطلاق. وإن كان في غضبه المقدس، كبَّ دراهم الصيارف، وقلب موائدهم، فهو يعلم أن بمقدورهم أن يتحمَّلوا الخسارة المادية، إلا أنه بالنسبة لباعة الحمام الفقراء، لم يقلب أقفاص حمامهم، لأنهم كانوا سيفقدون الحمام في تلك الحالة، سواء بموته من جرّاء تخبطهم وتكدس بعضهم فوق بعض، أو بتناثره وطيرانه، وفي كلتا الحالتين هم لا يستطيعون تحمُّل مثل هذه الخسارة، من أجل ذلك نقرأ: «وقال لباعة الحمام: ارفعوا هذه من ههنا» ( يو 2: 16 ).
فعلى الرغم من الغضب الذي اعتراه، إلا أنه كان مالكًا لتصرفاته، فسلك بالوداعة مع الفقراء والمساكين، وتصرف بشدة وحزم مع الذين يستحقون ذلك.
وحينما دخل إلى قرية للسامريين، وعرفوا أنه متجه إلى أورشليم، رفضوا أن يستقبلوه في قريتهم. وفي الحال انبرى يعقوب ويوحنا، مُطالبين الرب بالانتقام الفوري منهم، بإنزال نار من السماء لتحرقهم بقريتهم ( لو 9: 51 - 56). ولكن السيد بروح الوداعة التي اتَّسم بها، انتهرهما قائلاً: «لستما تعلمان من أي روحٍ أنتما!»، فروح الانتقام هذه على النقيض تمامًا من روح الوداعة التي ظهر بها في مجيئه الأول.
وقد تمثلت هذه الروح بصورة أعظم في بستان جثسيماني، فإن كان بطرس تصدى بعنف للعسكر بقطع أذن مَلخس، إلا أن السيد بروح الوداعة استخدم اليد التي كانت ستُربط بالحبال بعد قليل، ليُعيد بها أذن مَلخس إلى مكانها. ولقد تُوجت روح الوداعة وعدم الانتقام في مشهد الصلب بأن صلى من أجل صالبيه طالبًا لهم الغفران.